الوجود الأمريكي في العراق وتأثيراته على الأمن في المنطقة
صفحة 1 من اصل 1
الوجود الأمريكي في العراق وتأثيراته على الأمن في المنطقة
الوجود الأمريكي في العراق وتأثيراته على الأمن في المنطقة
( 2008-02-07 )
الوجود الأمريكي في العراق وتأثيراته على الأمن في المنطقة
جامع -خاص
يمثل الوجود الأمريكي في العراق مشكلة حقيقية ليس فقط للشعب الأمريكي الذي ينفق أموالاً طائلة على الجيش الأمريكي الذي يفقد الآلاف من جنوده على أيدي المقاومة العراقية صاحبة الحق المشروع ـ حسب المواثيق والأعراف الدولية ـ في استعادة أراضيها من أيدي الغزاة، وإنما أيضاً للشعب العراقي الذي تستنزف ثرواته من قبل شلة المنتفعين في الإدارة الأمريكية، وكذلك بالنسبة للأنظمة العربية التي تدفعها الإدارة الأمريكية بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتخفيف العبء عن كاهل جنودها في العراق، مما يضع تلك الدول في حرج شديد أمام شعوبها، التي ترفض بشدة مساعدة المحتل، وتطالب بدلا من ذلك بالضغط على الولايات المتحدة من أجل سحب جنودها، وهو ما يؤثر في النهاية على الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ من شأن ذلك أن يزيد من عمليات المقاومة والتهديد للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، مثلما هو حادث الآن بعد أن ارتفعت أسعار برميل النفط ووصلت لمستويات غير مسبوقة بسبب نجاح المقاومة العراقية في حرمان المحتل الأمريكي من تنفيذ مخططاته الخاصة بالعراق والتي كانت تتمركز حول الحصول على النفط بأسعار رخيصة وبكميات كبيرة، فضلا عن منعه من استكمال مخططاته الخاصة بالسيطرة والهيمنة على مقدرات المنطقة وتطويعها لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية فيها، إلى غير ذلك من الأضرار التي يتوقع أن تنجم عن استمرار الوجود الأمريكي في العراق على الأمن والاستقرار في المنطقة.
اختلافات الرؤى
أدت الإخفاقات الأمريكية في العراق لحدوث تباين رؤى كبير في الداخل الأمريكي خاصة بين الحزبين الكبيرين ( الديموقراطي والجمهوري )، وصل لدرجة التكهن بحدوث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه العراق بعد خروج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بمسألة بقاء القوات الأمريكية من عدمه، أو تقليل عددها مقابل دفع بعض الدول الإقليمية أو الدولية للمشاركة في تحقيق الأمن والاستقرار.
إذ يعرف عن مرشحي الحزب الديموقراطي وقوفهم ضد وجود القوات الأمريكية في العراق، بسبب الخسائر الفادحة في الأموال والأرواح التي يتعرض الشعب الأمريكي يومياً في العراق، وذلك في مقابل الحزب الجمهوري الذي يرى أن من شأن استمرار الوجود الأمريكي في العراق أن يحقق الأهداف والاستراتيجيات الأمريكية الخاصة بالسيطرة والهيمنة على المنطقة والعالم، إلا أن الواضح أن الخطوط العريضة التي وضعها بوش بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه العراق هي التي سيتم اعتمادها، وهو ما يعني ثبات السياسة الأمريكية تجاه العراق خلال الفترة القادمة، وما يرتبط بها من انعكاسات سلبية على المنطقة، خاصة في مسائل الأمن، إذ يتوقع أن يحدث خلل كبير في أمن المنطقة، بسبب تصاعد عمليات المقاومة، وإصرارها على الاستمرار في مقاومة المحتل إلى أن تحرر الأرض، وبالتالي سيستمر التوتر في المنطقة، سواء عن طريق الإدارة الأمريكية التي لن تكف عن الضغط عليهم من أجل مساعدتها مالياً في الكلفة الكبيرة التي تتحملها بسبب تواجدها في العراق، أو عن طريق الشعوب العربية التي تزداد كرها للإدارة الأمريكية وسياساتها في المنطقة من ناحية ثانية، وبالتالي رفضها لأي تعاون من قبل حكوماتها مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف العراقي، مما قد يوقع الأنظمة العربية في حرج شديد، خاصة وأنها ستصبح في ذلك الوقت بين السندان الأمريكي والمطرقة الشعبية، أضف إلى ذلك ما قد يؤدي إليه ذلك من تصاعد العمليات الإرهابية في المنطقة والعالم.
السياسة الأمريكية تجاه العراق
كما هو معروف تحكم السياسة الأمريكية تجاه العراق أمرين أولاهما؛ حماية الكيان الصهيوني، فكما هو معروف يمثل أمن الكيان خط أحمر بالنسبة للإدارات الأمريكية المختلفة، ومن ثم فإن أية أخطار تتهدد ذلك الكيان من شأن أية إدارة أمريكية متواجدة في البيت الأبيض أن ترد عليه بحسم وقوة، مثلما حدث مع العراق بعد أن وضح خطره في زمن صدام على أمنه، بعد أن تم تعزيز قدرات العراق التقنية والسياسية والعسكرية.
وثانيهما؛ يتمثل في الهيمنة على النفط العربي، من أجل ضمان تدفقه للولايات المتحدة من جهة، والتحكم في الدول الكبري التي تعتمد على ذلك النفط في صناعاتها من جهة ثانية، وبذلك يتحقق للولايات المتحدة الهيمنة والسيطرة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، وإنما على العالم أجمع، بما في ذلك الدول السبع العظمى.
ولأن خروج أميركا من العراق يمثل تهديدا مباشرا لتلك الثوابت، فقد لاقت السيناريوهات التي وضعت حول هذا الشأن انتقادات لاذعة، رافضة التوصيات الخاصة بضرورة إجراء انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق، والبدء بمحادثات مع كل من إيران وسورية، باعتبار أن ذلك يمثل تهديدا لأمن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على حد سواء.
وفي هذا الصدد بالغ الرئيس الأميركي في حجم المخاطر المترتبة على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، حيث صرح بأن بقاء الجيش الأمريكي في العراق لمهمة أخلاقية ،وحاول أن يربط بين مصير فيتنام بعد الانسحاب في السبعينيات من القرن الماضي وبين انسحاب القوات الأمريكية من العراق لو تم، حيث قال في خطابه في ولاية كنساس الأمريكية ما نصه:" إن حدوث مثل هذا الانسحاب من العراق في الوقت الحالي سوف يخلف الكثير من الضحايا الأبرياء مثلما حدث في جنوب شرق أسيا منذ ثلاثة عقود".
ويعني ذلك أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق أصبح وجودا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهو يختلف كليا عن الوجود العسكري في السعودية وقطر والبحرين والكويت وبقية دول الخليج والمنطقة ، باعتبار أنه يحدد مستقبل الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة بسيطرتها على العالم.
أهداف التواجد
هناك العديد من الأهداف التي تكمن خلف استمرار الوجود الأمريكي في العراق في مقدمتها؛ ضمان أمن الكيان الصهيوني، عن طريق تخويف القوى العربية المتاخمة للكيان، ومنعها من إثارة أية قلاقل قد تؤثر على أمن الكيان مستقبلاً ، فضلا عن محاولة إدماج الكيان في المنطقة رغماً عنها، عن طريق ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.
ثانياً : ضمان الحصول على نفط المنطقة بأسعار رخيصة وبكميات وفيرة، وإن كان ذلك الأمر قد واجهته صعوبات كبيرة بسبب اشتداد المقاومة العراقية، وعرقلتها للمخططات الأمريكية ذات الصلة بهذا الشأن، عن طريق استهدافها للكثير من شاحنات النفط الامريكية.
ثالثاً: الحفاظ على الأمن في الخليج، حيث يعتبر أمن الخليج هدف استراتيجي للولايات المتحدة. ومن ثم تعمل الإدارات الأمريكية المختلفة على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وذلك على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أن أي تغيير في المنطقة يؤدي إلى حدوث اضطرابات وقلاقل تؤثر على مصالح أميركا .
رابعاً: المحافظة على توازي القوى الإقليمية، بحيث لا يحدث أي صراع يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا ما بدا واضحا عندما كانت الولايات المتحدة تمد يد العون للعراق في مواجهته لإيران، وانقلابها بعد ذلك على صدام حسين، إثر تحوله إلى قوة تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
خامساً: القضاء على أية محاولات لإنشاء كيان عربي موحد، من أجل أن تظل جميع تلك الدول في حاجة إلى الولايات المتحدة، خاصة وأن من شأن أنشاء مثل ذلك الكيان الموحد أن يجعل التوازن الاستراتيجي في المنطقة لصالح البلاد العربية، وهذا ما لا يتفق مع سياسة أميركا.
وبذلك يتضح لنا السياسة الأمريكية في العراق ترتبط ارتباطا مباشرا باستراتيجيتها في المنطقة ، بمعنى أنه كلما نجحت الولايات المتحدة في إحكام سيطرتها على الأوضاع في العراق، كلما مكنها ذلك من ضمان تحقيق مصالحها في المنطقة ، خاصة تلك المتعلقة بتدفق النفط، وباحتواء أي تهديدات محتملة للكيان الصهيوني.
وهذا ما يؤكد عليه إدوارد جيرجيان مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ، بقوله " أن التخطيط الاستراتيجي الأمريكي يقوم على تحويل العراق إلى قاعدة إقليمية محورية للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة" الأمر الذي من شأنه أن يسهل على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها الخاصة بضمان استمرار تدفق النفط، والسيطرة على القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة.
انعكاسات سلبية
في حال استمرت السياسة الأمريكية تجاه العراق على ما هي عليه، فإن من شأن ذلك أن يؤدي فيما يتعلق بالمنطقة إلى :
أولاً : استمرار سياسات المنطقة على ما هي عليه فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية التي تعاني منها المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تلك القضية التي تشهد تراجعا ملحوظا من قبل الأشقاء العرب، بسبب الضغوط الأمريكية عليهم، تلك الضغوط التي تدفعهم لتبني الرؤية الأمريكية والصهيونية الخاصة بالسلام، وتدفعهم كذلك لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، بالرغم من عدم التزامه بأي من الاتفاقات الدولية التي تم التوافق عليها في المحافل الدولية.
ثانيا: استمرار المساعي الأمريكية الضاغطة على دول المنطقة من أجل تلبية المطالب الأمريكية والإسرائيلية الخاصة بالحرب على ما تسميه الإرهاب، والتي تعني من وجهة النظر الأمريكية والصهيونية منع المعونات المقدمة من تلك الدول لحركات المقاومة الفلسطينية.
ثالثا: استمرار الضغط على إيران من أجل منعها من الاستمرار في سياسات تخصيب اليورانيوم.
رابعا: مساعدة الكيان الصهيوني على الاندماج في المنطقة-التطبيع-، عن طريق تطبيق المشاريع الأمريكية الخاصة بالهيمنة على المنطقة وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الكبير موضع التطبيق.
خامساً : تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وترك العنان للكيان الصهيوني ليعيث في الأراضي العربية فسادا، وما قد يتسبب فيه ذلك من أضرار فادحة بأمن المنطقة.
نخلص من ذلك إلى صعوبة حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العراق؛ لأن ذلك ببساطة يعني تغييرا للاستراتيجية والأهداف، كما أن من شأن حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العراق أن يتبعه تغييرا في منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة هي منطقة "االخليج العربي"، أضف إلى ذلك ان الولايات المتحدة لن تلجأ لتغيير سياساتها تجاه العراق إلا إذا وجدت مبرراً منطقياً لذلك.
ومن ثم تبقى المقاومة هي الطرف الوحيد الذي يملك القدرة علي تغيير السياسة الأمريكية تجاه العراق ومنطقة الخليج، عن طريق استمرارها في تكبيد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
www.jaami.info
( 2008-02-07 )
الوجود الأمريكي في العراق وتأثيراته على الأمن في المنطقة
جامع -خاص
يمثل الوجود الأمريكي في العراق مشكلة حقيقية ليس فقط للشعب الأمريكي الذي ينفق أموالاً طائلة على الجيش الأمريكي الذي يفقد الآلاف من جنوده على أيدي المقاومة العراقية صاحبة الحق المشروع ـ حسب المواثيق والأعراف الدولية ـ في استعادة أراضيها من أيدي الغزاة، وإنما أيضاً للشعب العراقي الذي تستنزف ثرواته من قبل شلة المنتفعين في الإدارة الأمريكية، وكذلك بالنسبة للأنظمة العربية التي تدفعها الإدارة الأمريكية بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتخفيف العبء عن كاهل جنودها في العراق، مما يضع تلك الدول في حرج شديد أمام شعوبها، التي ترفض بشدة مساعدة المحتل، وتطالب بدلا من ذلك بالضغط على الولايات المتحدة من أجل سحب جنودها، وهو ما يؤثر في النهاية على الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ من شأن ذلك أن يزيد من عمليات المقاومة والتهديد للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، مثلما هو حادث الآن بعد أن ارتفعت أسعار برميل النفط ووصلت لمستويات غير مسبوقة بسبب نجاح المقاومة العراقية في حرمان المحتل الأمريكي من تنفيذ مخططاته الخاصة بالعراق والتي كانت تتمركز حول الحصول على النفط بأسعار رخيصة وبكميات كبيرة، فضلا عن منعه من استكمال مخططاته الخاصة بالسيطرة والهيمنة على مقدرات المنطقة وتطويعها لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية فيها، إلى غير ذلك من الأضرار التي يتوقع أن تنجم عن استمرار الوجود الأمريكي في العراق على الأمن والاستقرار في المنطقة.
اختلافات الرؤى
أدت الإخفاقات الأمريكية في العراق لحدوث تباين رؤى كبير في الداخل الأمريكي خاصة بين الحزبين الكبيرين ( الديموقراطي والجمهوري )، وصل لدرجة التكهن بحدوث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه العراق بعد خروج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بمسألة بقاء القوات الأمريكية من عدمه، أو تقليل عددها مقابل دفع بعض الدول الإقليمية أو الدولية للمشاركة في تحقيق الأمن والاستقرار.
إذ يعرف عن مرشحي الحزب الديموقراطي وقوفهم ضد وجود القوات الأمريكية في العراق، بسبب الخسائر الفادحة في الأموال والأرواح التي يتعرض الشعب الأمريكي يومياً في العراق، وذلك في مقابل الحزب الجمهوري الذي يرى أن من شأن استمرار الوجود الأمريكي في العراق أن يحقق الأهداف والاستراتيجيات الأمريكية الخاصة بالسيطرة والهيمنة على المنطقة والعالم، إلا أن الواضح أن الخطوط العريضة التي وضعها بوش بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه العراق هي التي سيتم اعتمادها، وهو ما يعني ثبات السياسة الأمريكية تجاه العراق خلال الفترة القادمة، وما يرتبط بها من انعكاسات سلبية على المنطقة، خاصة في مسائل الأمن، إذ يتوقع أن يحدث خلل كبير في أمن المنطقة، بسبب تصاعد عمليات المقاومة، وإصرارها على الاستمرار في مقاومة المحتل إلى أن تحرر الأرض، وبالتالي سيستمر التوتر في المنطقة، سواء عن طريق الإدارة الأمريكية التي لن تكف عن الضغط عليهم من أجل مساعدتها مالياً في الكلفة الكبيرة التي تتحملها بسبب تواجدها في العراق، أو عن طريق الشعوب العربية التي تزداد كرها للإدارة الأمريكية وسياساتها في المنطقة من ناحية ثانية، وبالتالي رفضها لأي تعاون من قبل حكوماتها مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف العراقي، مما قد يوقع الأنظمة العربية في حرج شديد، خاصة وأنها ستصبح في ذلك الوقت بين السندان الأمريكي والمطرقة الشعبية، أضف إلى ذلك ما قد يؤدي إليه ذلك من تصاعد العمليات الإرهابية في المنطقة والعالم.
السياسة الأمريكية تجاه العراق
كما هو معروف تحكم السياسة الأمريكية تجاه العراق أمرين أولاهما؛ حماية الكيان الصهيوني، فكما هو معروف يمثل أمن الكيان خط أحمر بالنسبة للإدارات الأمريكية المختلفة، ومن ثم فإن أية أخطار تتهدد ذلك الكيان من شأن أية إدارة أمريكية متواجدة في البيت الأبيض أن ترد عليه بحسم وقوة، مثلما حدث مع العراق بعد أن وضح خطره في زمن صدام على أمنه، بعد أن تم تعزيز قدرات العراق التقنية والسياسية والعسكرية.
وثانيهما؛ يتمثل في الهيمنة على النفط العربي، من أجل ضمان تدفقه للولايات المتحدة من جهة، والتحكم في الدول الكبري التي تعتمد على ذلك النفط في صناعاتها من جهة ثانية، وبذلك يتحقق للولايات المتحدة الهيمنة والسيطرة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، وإنما على العالم أجمع، بما في ذلك الدول السبع العظمى.
ولأن خروج أميركا من العراق يمثل تهديدا مباشرا لتلك الثوابت، فقد لاقت السيناريوهات التي وضعت حول هذا الشأن انتقادات لاذعة، رافضة التوصيات الخاصة بضرورة إجراء انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق، والبدء بمحادثات مع كل من إيران وسورية، باعتبار أن ذلك يمثل تهديدا لأمن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على حد سواء.
وفي هذا الصدد بالغ الرئيس الأميركي في حجم المخاطر المترتبة على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، حيث صرح بأن بقاء الجيش الأمريكي في العراق لمهمة أخلاقية ،وحاول أن يربط بين مصير فيتنام بعد الانسحاب في السبعينيات من القرن الماضي وبين انسحاب القوات الأمريكية من العراق لو تم، حيث قال في خطابه في ولاية كنساس الأمريكية ما نصه:" إن حدوث مثل هذا الانسحاب من العراق في الوقت الحالي سوف يخلف الكثير من الضحايا الأبرياء مثلما حدث في جنوب شرق أسيا منذ ثلاثة عقود".
ويعني ذلك أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق أصبح وجودا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهو يختلف كليا عن الوجود العسكري في السعودية وقطر والبحرين والكويت وبقية دول الخليج والمنطقة ، باعتبار أنه يحدد مستقبل الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة بسيطرتها على العالم.
أهداف التواجد
هناك العديد من الأهداف التي تكمن خلف استمرار الوجود الأمريكي في العراق في مقدمتها؛ ضمان أمن الكيان الصهيوني، عن طريق تخويف القوى العربية المتاخمة للكيان، ومنعها من إثارة أية قلاقل قد تؤثر على أمن الكيان مستقبلاً ، فضلا عن محاولة إدماج الكيان في المنطقة رغماً عنها، عن طريق ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.
ثانياً : ضمان الحصول على نفط المنطقة بأسعار رخيصة وبكميات وفيرة، وإن كان ذلك الأمر قد واجهته صعوبات كبيرة بسبب اشتداد المقاومة العراقية، وعرقلتها للمخططات الأمريكية ذات الصلة بهذا الشأن، عن طريق استهدافها للكثير من شاحنات النفط الامريكية.
ثالثاً: الحفاظ على الأمن في الخليج، حيث يعتبر أمن الخليج هدف استراتيجي للولايات المتحدة. ومن ثم تعمل الإدارات الأمريكية المختلفة على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وذلك على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أن أي تغيير في المنطقة يؤدي إلى حدوث اضطرابات وقلاقل تؤثر على مصالح أميركا .
رابعاً: المحافظة على توازي القوى الإقليمية، بحيث لا يحدث أي صراع يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا ما بدا واضحا عندما كانت الولايات المتحدة تمد يد العون للعراق في مواجهته لإيران، وانقلابها بعد ذلك على صدام حسين، إثر تحوله إلى قوة تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
خامساً: القضاء على أية محاولات لإنشاء كيان عربي موحد، من أجل أن تظل جميع تلك الدول في حاجة إلى الولايات المتحدة، خاصة وأن من شأن أنشاء مثل ذلك الكيان الموحد أن يجعل التوازن الاستراتيجي في المنطقة لصالح البلاد العربية، وهذا ما لا يتفق مع سياسة أميركا.
وبذلك يتضح لنا السياسة الأمريكية في العراق ترتبط ارتباطا مباشرا باستراتيجيتها في المنطقة ، بمعنى أنه كلما نجحت الولايات المتحدة في إحكام سيطرتها على الأوضاع في العراق، كلما مكنها ذلك من ضمان تحقيق مصالحها في المنطقة ، خاصة تلك المتعلقة بتدفق النفط، وباحتواء أي تهديدات محتملة للكيان الصهيوني.
وهذا ما يؤكد عليه إدوارد جيرجيان مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ، بقوله " أن التخطيط الاستراتيجي الأمريكي يقوم على تحويل العراق إلى قاعدة إقليمية محورية للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة" الأمر الذي من شأنه أن يسهل على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها الخاصة بضمان استمرار تدفق النفط، والسيطرة على القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة.
انعكاسات سلبية
في حال استمرت السياسة الأمريكية تجاه العراق على ما هي عليه، فإن من شأن ذلك أن يؤدي فيما يتعلق بالمنطقة إلى :
أولاً : استمرار سياسات المنطقة على ما هي عليه فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية التي تعاني منها المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تلك القضية التي تشهد تراجعا ملحوظا من قبل الأشقاء العرب، بسبب الضغوط الأمريكية عليهم، تلك الضغوط التي تدفعهم لتبني الرؤية الأمريكية والصهيونية الخاصة بالسلام، وتدفعهم كذلك لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، بالرغم من عدم التزامه بأي من الاتفاقات الدولية التي تم التوافق عليها في المحافل الدولية.
ثانيا: استمرار المساعي الأمريكية الضاغطة على دول المنطقة من أجل تلبية المطالب الأمريكية والإسرائيلية الخاصة بالحرب على ما تسميه الإرهاب، والتي تعني من وجهة النظر الأمريكية والصهيونية منع المعونات المقدمة من تلك الدول لحركات المقاومة الفلسطينية.
ثالثا: استمرار الضغط على إيران من أجل منعها من الاستمرار في سياسات تخصيب اليورانيوم.
رابعا: مساعدة الكيان الصهيوني على الاندماج في المنطقة-التطبيع-، عن طريق تطبيق المشاريع الأمريكية الخاصة بالهيمنة على المنطقة وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الكبير موضع التطبيق.
خامساً : تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وترك العنان للكيان الصهيوني ليعيث في الأراضي العربية فسادا، وما قد يتسبب فيه ذلك من أضرار فادحة بأمن المنطقة.
نخلص من ذلك إلى صعوبة حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العراق؛ لأن ذلك ببساطة يعني تغييرا للاستراتيجية والأهداف، كما أن من شأن حدوث تغيير في السياسة الأمريكية تجاه العراق أن يتبعه تغييرا في منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة هي منطقة "االخليج العربي"، أضف إلى ذلك ان الولايات المتحدة لن تلجأ لتغيير سياساتها تجاه العراق إلا إذا وجدت مبرراً منطقياً لذلك.
ومن ثم تبقى المقاومة هي الطرف الوحيد الذي يملك القدرة علي تغيير السياسة الأمريكية تجاه العراق ومنطقة الخليج، عن طريق استمرارها في تكبيد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
www.jaami.info
مجد الامة- المساهمات : 113
تاريخ التسجيل : 27/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى